الجمعة، 6 مايو 2016

لحظة ضعف | Sahar Khairalla

قصة قصيرة " ضجر "
لحظة ضعف "
حضرت الطبيبة بيسان بعد الاتصال بها وإخبارها بأن هناك فتاة جاءت إلى المستشفي ويبدو أنها مرت بحادث أليم أدى إلى حدوث نزيف لها وتكاد روحها تفارق جسدها في دقائق معدودة إن لم يتم إنقاذها بأقصى سرعة ، هرولت بيسان إلى المستشفي وعندما وصلت وجدت الفتاة في حالة يرثى لها ، تنزف
وتئن وتتمتم ببعض الكلمات غير والواضحة إلا أن بيسان فهمت وأدركت من تلك الكلمات أن هذه الفتاة تم اغتصابها وسارعت بفحصها وتأكدت من شكوكها ، في تلك اللحظة تذكرت بيسان تلك الليلة المشؤومة التي لا تغيب عن ذاكرتها ولكنها رأت كل شيء وكأن المشهد يحدث أمام عينيها من جديد . كانت بيسان تحب فراس زوجها حبا كثيرا فقد تزوجته بعد قصة حب قوية ، وكان فراس شابا شجاعا كما عرف عنه ، يستطيع أن يأسر قلب أي أنثى برقته ووسامته وقوة بنيانه ، تتهافت عليه طبيبات المستشفي ، فقد كان يعمل طبيبا هو الآخر في نفس المستشفي التي تعمل بها بيسان ، التقى بها هناك ومرت الأيام وسرعان ما انجذب كل منهما للآخر وتزوجها وأغدقها حبا وحنان ، أمنا وأمانا ، كان لها كل شيء في الدنيا ، الزوج والأب والأخ وكل شيء ، قضيا سنوات زواجهما الأولى في هدوء واستقرار وسعادة ، كانا قد أنجبا يوسف بعد سنة واحدة من زواجهما وسعدا به وملأ يوسف حياتهما فرحة وسرور ، كان فراس و بيسان يعملان في نفس الأيام في جدول النبطشيات بالمستشفي ، يذهبان سويا ويعودان لبيتهما سويا ، لذا كانت بيسان تطمئن بوجود فراس معها ، تشعر بالأمان والطمأنينة عندما كان يؤنسها ليلا في الساعات المتأخرة في المستشفي ، وفي إحدى الليالي بعد مرور خمس سنوات على زواجهما شعرت بيسان بالإرهاق الشديد وأرادت أن تذهب إلى بيتها كي ترتاح قليلا ولكن كان الوقت متأخرا ولن يتمكن فراس من الذهاب معها لكي لا يترك زميله أحمد وزوجته وحدهما في النوباطشية فلم يتواجد في المستشفي في هذا اليوم غير فراس وزوجته وزميله أحمد وزوجته أروى أيضا ومجموعة من الممرضات ، أتت أروى زوجة أحمد وصديقة بيسان إليهم في هذه الليلة لتحضر لهم الطعام  الذي أعدته في بيتها وجاءت إليهم جميعا محضرة إياه ولما وجد أحمد الوقت قد تأخر بعد الانتهاء من العشاء عرض على زوجته أروى أن تبيت مع بيسان صديقتها في غرفتها ويذهبوا جميعا لبيوتهم في الصباح الباكر بعد انتهاء ساعات العمل ووافقته الرأي ، وفي الساعة الثالثة فجرا انتفض الجميع على صوت طلقات نارية من خارج المستشفي فخرج فراس وأحمد من غرفتهما وذهبا ليطمئنا على بيسان وأروى وفي عدة دقائق تجمعت الممرضات في غرفة بيسان وأروى وتملكهن الذعر ، نظرت بيسان وأروى لبعضهما وكأنما شعرتا بما سيحدث لهن ، خرج فراس وأحمد إلى بوابة المستشفى لكي يعرفا ما يحدث فوجدا أفراد الأمن قد قتلوا جميعا وجثثهم ملقاة على الأرض ووجدا مجموعة كبيرة من الملثمين يقتربون إلى داخل المستشفى ففرا إلى الداخل وقد أغلقا باب الدخول ورائهما ، اتصل كل منهما بالنجدة ولكن لم يرد عليهما أحد ، صرخ فراس في وجه بيسان وأروى والممرضات قائلا : لا أريد أن أرى إحداكن ، اختبئن في هذه الغرفة وأغلقنها جيدا عليكن ولا تخرجن مهما حدث ، أسرعن . كان باب الدخول مصنوعا من الزجاج الذي تم اختراقه بسهولة من قبل الملثمين وهجموا على أحمد وفراس وركع كل منهما على ركبتيه ووضع الملثمون الأسلحة عل رأسيهما مهددين كليهما بإطلاق الرصاص عليهما إن لم يبوحا بمكان الطبيبات والممرضات ، كانت بيسان وأروى والممرضات يرتجفن جميعهن من الخوف وكل منهن تتشبث بالأخرى عسى أن تطمئن بها ، يستمعن إلى الحديث بالخارج ويبكين دون صوت حتى لا يعرف مكانهن ، كن يجلسن على أرض الغرفة في أبعد مكان فيها ، كل منهن تلف ذراعيها حول الفتاة المجاورة لها ، وفي الخارج اثنان من الملثمين يكبلا أحمد وفراس الذين كانا يرتجفان من الخوف على نسائهما ، وباقي الملثمين كانوا يدمرون كل شيء في المستشفى من زجاج وأثاث باحثين عن النساء وتساءل أحدهم : أين النساء ؟ لم ينطق أحمد أو فراس بكلمة واحدة ، هدد الملثمون كليهما بإطلاق الرصاص عليهما إن لم ينطقا فأبيا البوح ، وصاح أحد الملثمين : ادخلوا هذه الغرفة البعيدة انتفض أحمد وفراس وردا قائلين : ماذا تريدون منهن ؟ إن كنتم تريدون مالا فسنعطيكم إياه ، نحن أطباء لا ذنب لنا في شيء ، اتركونا وخذوا أموالنا جميعا . رد أحد الملثمين : سنأخذ ما هو أثمن من أموالكما ، سنأخذ نسائكما ، ألستما من قتلتم الحبشي بتقاعسكما عن عملكما ، سنميتكم ببطء عندما تشاهدان ما سيحدث لنسائكما. ردا: لم نقتله ، بل فعلنا كل ما في وسعنا ، صدقونا . رد الملثمون : اصمتا ، لا داع للإنكار فاليوم يوم الثأر للحبشي ، سنحرق قلوبكما كما أحرقتم قلوبنا عليه بكى أحمد وفراس بكاء شديدا ، وفي ثوان معدودات خرج الملثمون من الغرفة بالفتيات ، كل ملثم اقتنص فتاة وألقى بها على الأرض ، كان الصراخ على أشده ، لم يحتمل أحمد قسوة مشهد أروى زوجته وأحد الملثمين يحاول أن يمزق ثيابها ويعري جسدها ، لم يحتمل صوت صراخها وندائها له : أنقذني يا أحمد .. أنقذني حاول أحمد الفرار من الملثم الذي يكبله وقاوم حتى أطلق الملثم عدة طلقات في رأس أحمد فخر قتيلا أمام عيني فراس وفي تلك اللحظة كان أخر يمزق ثياب بيسان ويعرى جسدها ، قاومته بشدة بالرغم من إنهاكها وشدة إرهاقها إلا أنها لم تستسلم وظلت تحاول جاهدة الفرار من تحت يديه ، حينها استسلم فراس ولم يستجب لنداء بيسان له بالدفاع عنها وإنقاذه لها لأنه فكر للحظة وأدرك أن مصيره سيكون مثل مصير أحمد إن حاول أو فكر حتى في محاولة الفرار للدفاع عنها ، فكر للحظة في نفسه وأنه سيموت دون جدوى وسيحدث ما سيحدث لزوجته ولن يستطيع أن ينقذها في كل الأحوال فاختار الخنوع ، وأما الملثم فقد أتعبته مقاومة بيسان كثيرا ولكنها زادته أيضا عندا وعنفا معها ، عاملها هذا الزنديق بكل إجرام وحمق حتى تمكن منها بعد أن خرت قواها وغابت عن وعيها ، أغمض فراس عينيه حتى لا يري ما يحدث لبيسان ولكنه رأى كل شيء بعيني قلبه الذي كاد يتفطر عليها من الألم والحسرة والشعور بالخزي ، وبعد أن تم كل شيء ، رحل الملثمون تاركين كل شيء في المستشفى مدمرا تدميرا كاملا ، النفوس ، الإرادة ، الشجاعة ، النخوة ، الرجولة ، كل شيء لم يصبح علي ما يرام . استيقظت بيسان ووجدت نفسها على فراشها في منزلها ، ودت لو أن ما حدث لها كان كابوسا ولكنها سرعان ما تيقنت مما حدث لها حين رأت فراس يجلس على أرض غرفتها ويبكي بكاء الأطفال داعيا أن يغفر له الله تفريطه في حقها وفي الدفاع عن شرفها ، صرخت بشدة ودخلت في نوبة من البكاء وقامت بتكسير كل شيء أمامها ، بكت كثيرا ولم تهدأ قليلا إلا بعد أن وجدت طفلها يبكي بشدة وكأنه يشعر بما حدث لها فيبكي عليها ، ظل فراس جالسا على أرض الغرفة ولم ينطق بكلمة واحدة ، فقط يبكي هو الأخر ولا يستطيع النظر إليها ، غادر الغرفة وتركها تئن وحدها . -دكتورة بيسان ، دكتورة ؟ - نعم ، عذرا سرحت قليلا - ماذا تريدين بعد ، قطن أم شاش ؟ - كليهما عادت بيسان إلى حالة الفتاة المغتصبة التي ذكرتها بما حدث لها وحاولت بشتى الوسائل إنقاذها ، وبعد أن أعطتها كل الأدوية المطلوبة لإسعافها واستقرت حالتها وتم إيقاف النزيف ، قضت بيسان ليلتها بجانب الفتاة وكأنها تعرفها جيدا ، جلست بيسان على المقعد المجاور لها ورجعت بها الذاكرة إلى حالها مع زوجها منذ ذلك اليوم ، حدثت تلك الحادثة لها منذ عاما كاملا ولكنها شعرت بأنه ألف عام فلم يمر عليها مرور الكرام ، فمن وجهة نظرها لم يكتف فراس بتخاذله معها بل اختار البعد عنها وتركها وحيدة ، بعد مرور شهر على الحادثة أخذ بيسان وفراس يبتعدان أميالا عن بعضهما البعض داخل المنزل الواحد ، لم ينطق أحدهما بكلمة مع الأخر ، لم يجرؤ أي منهما على النظر إلى الأخر ، كل منهما يتلاشى التواجد في نفس الغرفة التي يتواجد فيها الآخر ، حدث شرخ كبير وعميق في علاقتهما لن يداويه الزمن فبيسان لن تنسى ما فعله معها أبدا وفراس لن يسامح نفسه أبدا على تخاذله معها وتخليه عنها وتفريطه فيها ، ود لو رجع به الزمن للوراء لاختار الموت في سبيلها بدل من الموت البطيء الذي اختاره على قيد الحياة ، لمنع نفسه من التفكير بشيء من المنطق في هذه اللحظة الفارقة ، لحظة الضعف التي مر بها وأودت بحياته الأخلاقية فهو الآن يرى نفسه شخصا حقيرا لا فائدة ولا قيمة له ، لم يقدر حتى على الخروج للعمل منذ ذلك اليوم فقد كره الطب وكره العمل وكره الحياة بأكملها ، لم يتبق له سوى العزلة والاقتراب من الله ، فالحسنة الوحيدة من هذا الحادث الأليم اقتراب فراس من ربه كثيرا ، كم ألحت عليه بيسان بالاقتراب ولكنه لم يجبها يوما إلا أنه منذ تلك الحادثة المريرة وكأن الصدمة قد أحيت قلبه تجاه ربه من جديد ، فلم يترك صلاة ولم يترك خيرا إلا فعله إلا أنه ترك بيسان ، تركها ولم يتركها قلبه ، وبعد مرور عشرة أشهر على هذا الحال ، كل منهما في جانب ، قرر فراس أن يتحدث إلي بيسان فدخل عليها غرفتها التي لم يدخلها منذ يوم الحادث ووجدها تداعب يوسف صغيرها الذي أوشك على السادسة من عمره ، رق قلبه إليها وعلم أنه يفتقد روحها الطفولية كثيرا ، ود لو يخترق جسدها ويستقر في رحمها كي تلده وتداعبه كما تداعب طفلها ، كي يرى ابتسامة وجهها التي غابت منذ غيابها ، لم ينظر إلى عينيها ولكن نظر إلى الأرض طويلا باحثا عن مقدمة لحديثه ، في نفس الوقت كان قلب بيسان يخفق بشدة وفرحت لقدومه وظنت أنه اشتاق إليها كما اشتاقت هي إليه ، علمت أنه سيتحدث إليها في أمر خاص بهما فأشارت إلى يوسف أن يتركهما سويا ويذهب إلى غرفته فنفذ أمرها على الفور ،نظرت إلى فراس وشعرت حينها أنها سامحته دون إرادتها وأنها تحتاج إليه كي يبدآ حياتهما من جديد ، كي يضمد كل منهما جراح الآخر ، فهي تعلم أنه كما تم اغتصاب جسدها تم اغتصاب شجاعته ورجولته ، قطع عليها أفكارها قائلا : إن كنت تريدين الطلاق ، فأنا لا أمانع ، فقط أخبريني وسأنفذ في الحال ؟ اقشعر بدنها وانتفضت خلجاتها ونزلت دموعها وذبلت ورودها وتحطمت جسورها ، شعرت بأنه أصبح لا يريدها ، لا يريد حتى وجودها ، يريد أن يتخلص منها كي يقتل حنينها وأملها في الرجوع إليه ، تمتمت بكلماتها التي لم يعبأ بها . وبعد قليل قال لها : ماذا تريدين ؟ ردت عليها بيسان قائلة : إن كان الطلاق سيريحك مني فطلقني كي تستريح. فراس : بل سيريحك أنت فأنا الفأر الجبان الذي يختبئ من الجميع ، الفأر الذي لا يمتلك من الشجاعة ما يكفيه ليعيش ، الفأر الذي اختار الموت حيا في سجنه خشية الموت المريح ،أنا الذابح والذبيح ، أنا أقل مما تستحقين . دمعت عينا بيسان وقالت له متوسلة : أرجوك ، ساعدني فراس : ألا تيأسين من الاستنجاد بي بعد ما خذلتك ، ألا ترين أني لا أستحق أن أبقى معك ؟! بل ساعديني أنت في أن أنال عقابي فحرماني منك هو منتهى عذابي. نظر إلى عينيها لأول مرة ، اقتربت منه هي الأخرى ونظرت إلى عينيه ودام بينهما حوار طويل عنوانه الصمت المباح ، ودت لو نفذت بين ضلوعه وشقت قلبه ودخلت وجلست وتربعت وأغلقت باب قلبه خلفها جيدا حتى تسكنه ولا يستطيع أن يبعدها عنه أبدا ، احتضنها بعينيه وحبسها بين جفونه حتى لا يرى غيرها ،فاح عنبرها واستنشق فراس رحيقها وود أن يغوص في بحرها ولكنه سرعان ما ابتعد عنها قائلا : ستصلك ورقة الطلاق قريبا . في الحقيقة كان فراس يريد أن يكتوي بنيران بعدها كما أحرقها بنيران ضعفه ولكنه نسي أنه يحرقها مرة أخري بتخليه عنها ، شعر بالاختناق وذرفت عيناه دمعا وغادر غرفتها بل غادر المنزل بأكمله ، تركها وحدها ، أجهشت بيسان  بالبكاء وضاقت الأرض بها وودت لو أفصحت له أنها سامحته ولكنها تعلم أنه لن يفيد عفوها عنده شيئا فهو لن يسامح نفسه أبدا وسيظل يدفع ثمن لحظة ضعفه طيلة عمره . ظلت تبكي وكتبت هذه الكلمات : كيف يظل يحبني وأنا بقايا إنسانة كبلوني أمامه ووضع على فمه كمامة تركهم يلقونني في سلة قمامة قتلوني وغابت عني الابتسامة ظن أن بعده عني طريق السلامة وهل يمحي هذا البعد الملامة ؟! خرج فراس من المنزل ولم يأخذ أي شيء من ثيابه القديمة  بل ترك كل شيء في المنزل وكأنه لم ينو الرحيل ، ذهب ليشتري ثيابا جديدة من مكان بالقرب من بيت والدته فدخل واختار زيا متوسطا في أناقته  لقلة ما يملك من مال وذهب ليدفع ثمنه فإذا به يجد فتى في مثل عمره وقد أحضر عدد كبير من الأزياء الفخمة ذات الماركات العالمية ، تحرك في قلبه شيء تجاهه وشعر بالفرق بينهما وأخذ يحسد هذا الفتى على ثرائه ويتمتم بكلمات في نفسه : كيف لهذا الشاب أن يشتري كل هذه الثياب الفخمة لنفسه دون أن يشعر بغيره من الفقراء ؟! يبدو أنه لا يجد عناء في جمع كل هذه الأموال فينفقها دون حساب ولكنه سرعان ما قال لنفسه : وما يخصك أنت يا فراس ، أنت وشأنك ودعك من شئون غيرك ، وبعد أن اشترى فراس زيه الجديد خرج ووقف قليلا لا يدري أين يذهب وإذا به يجد الفتى الذي رآه بالداخل يقف بالخارج ويوزع كل الثياب الفخمة التي اشتراها على المساكين ، رأى فرحة الفقراء بها وفرحة الشاب بإسعادهم ، أصاب فراس الذهول وغضب من تفكيره وظنه السيئ بالفتى وعلم حينها أن بواطن الأمور ربما تكون عكس ظواهرها تماما فقرر ألا يحكم على ما بداخل أحد مرة أخرى وتذكر بيسان التي يعتقد كثيرا أنها كرهته وتتظاهر أنها سامحته ، هل من الممكن أن تكون قد سامحته بالفعل ؟! ولكن كيف ؟! وأخذ يتساءل : وهل يمكن أن يجمع الله بيننا بعد ما حدث ؟! رحماك ربي ، قف معي ولا تتركني . ذهب فراس إلى بيت والدته التي رحبت به كثيرا وسألته عن بيسان فقال لها : بخير يا أمي ، ستأتي قريبا شعرت والدة فراس بأن ابنها ليس على ما يرام وتأكدت شكوكها منذ فترة بأن الأمر ليس طبيعيا بين ابنها وزوجته فكانت بيسان تذهب إليها باستمرار وفجأة صارت علاقتهما سطحية ، لم ترد إزعاجها بهذا الأمر وتركتها كما تريد ولكن بعد ما رأت فراس بثيابه الجديدة وإخبارها أنه سيعيش معها فترة لأنه يفتقدها قررت أن تذهب إلي بيسان وتسألها عما بها لكنها سرعان ما تراجعت وفكرت في حيلة تعرف بها من ابنها المشكلة لتصلح بينهما. وفي اليوم التالي خرجت لتشتري بعض الطعام وعندما دخلت المنزل وجدت فراس ينتظرها ، وجد فراس وجه والدته ينطق حزنا فسألها : ماذا بك يا أمي ؟ أجابته والدموع في عينيها : ذهبت إلى بيسان وعرفت منها كل شيء احمر وجه فراس وأغمض عينيه وضغط على أضراسه ونظر إلى الأرض وسقطت دموعه كقطر الندى واستغرب في نفسه كيف لبيسان أن تفشي سرهما ! أمسكت والدته يديه وقالت له : يا بني بيسان تحبك فلماذا تتركها وهي تحبك ؟! - لا أستطيع أن أسامح نفسي يا أمي على ما فعلته بها فقد كنت أحط  مما تتخيلين ، تخليت عنها ولم أحافظ عليها ، تركت الكلاب تنهش في عرضها وأنا أشاهدهم في صمت ، لم أحافظ عليها لأني خشيت الموت ، لأني جبان . لم تتمالك والدة فراس نفسهامن هول ما سمعته فلم تكن تتخيل أن ما بينهما يصل إلى هذا الجرح العميق ، صرخت دون أن تدري ووضعت يدها على فمها لتكتم صوتها ولكنها لم تستطع أن تخفي ثورتها واندفاعها ، نظر إليها وقال لها : لماذا تصرخين هكذا ، ألم تقل لك ما حدث ؟! -   -  :لم أذهب إلي بيسان ولم تحك لي شيئا ووددت أن أعرف منك فصنعت هذه الحيلة ، لم أكن أتوقع أن الأمر بهذه الخطورة ، كيف تركتها تغتصب أمام عينيك ، أهذا ما ربيتك عليه ؟! سرد لها فراس كل ما حدث وأجهش في البكاء وقال لها : لذا سأطلقها لأني لا أستحقها . - :وهل تظن أن طلاقك منها هو الحل ، أهي من طلبته منك ؟ - لا ، أنا أخبرتها بهذا القرار أمس . - يا للقسوة ،ألم تكفك العشرة أشهر التي أذقتها فيهم المر ضعفين ، ألم تشفق عليها ، ألم تحن عليها يوما في الشهور الماضية ، ألم تعلم بأنها كانت تحتاج إليك ؟! بل فكرت في نفسك للمرة الثانية طوال العشرة أشهر الماضية وبالأمس فكرت في نفسك للمرة الثالثة !! فراس : هي تكرهني وهذا حقها . - إن كرهتك فما قضت معك كل الشهور الماضية في بيت واحد حتى ولو كل منكما في غرفته ، ما كانت طلبت منك المساعدة كي تنسيها ما فعلته بها ! - أنا أقل من أن تمنحي فرصة ثانية ، فلن تعود علاقتنا كما كانت مهما فعلت ،أنا واثق من هذا . - سبحان مقلب القلوب، أنت لا تعلم ما بيد الله ، فقط دعوة مخلصة مع توبة نصوحة يذيب الله لك الجليد ويزيل كل العوائق ويمهد لك الطرق . - كيف أفعل هذا وأنا لا أستطيع أن أنظر لنفسي في المرآة ؟! - ستستطيع ، فقط اطلب من الله العون وخذ من الوقت ما يكفيك ولكن لا تتأخر حتى لا تضيع الفرص . غفت بيسان وهي بجانب الفتاة الملقاة على السرير أمامها وحلمت بفراس يأتي إليها في الغرفة ويوقظها ويقول لها : سامحيني ، أحبك انتفضت من حلمها وفتحت عينيها ونظرت أمامها ووجدته بالفعل ، احمر وجهها ودبت فيه الروح وابتسمت له ابتسامة واسعة كادت أن تطير بهما إلى السماء ، ابتسم لها واحتضنها بشدة أذابت روحها ، وأخيرا تحقق حلمها بالعودة إلي وطنها .

د/سهر خيرالله  
Sahar Khairalla

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تابعنا على الفيس بوك

آخر التعليقات

أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *