الجمعة، 6 مايو 2016

الوجه الثامن عشر موت رجل بسيط | بلال دغيدي


قصة قصيرة
الوجه الثامن عشر موت رجل بسيط
-------------------------------
استيقظ لتوه على قرآن المسجد المجاور ....هو الذي لم يلبس ساعة ولو لمرة واحدة طيلة حياته .... عرف أن الساعة الآن هي الثالثة فجرا ....كيف لا وشيخ المسجد المجاور قد تعود على هذا منذ أن دخلت الكهرباء قريته الصغيرة ...لا ينتبه إلى الصوت الكبير لتك العجوز التي لا تتوقف عن الشخير ....بعد كل تلك السنين لا يملك إلا أن يعتاد عليه بل ويفتقده إذا غابت عنه ....يلبس العمة ...تلك التي لم تفارق مفرقه من نعومة أظفاره ....ارتدي تلك الصدرية والبنطلون الصوف ....أدرك أخيرا انه لا يحتاج الجلابية الصوف ....فبرد أكتوبر من النوع الودود ... لكنه احتياطا زاد على هيئته احتياطا قفطانا من الصوف .... ألقى نظرة على تلك النائمة ابتسم ونزل إلى الزريبة ....اطمأن على العجلين والبقرة .....فك الأتان انطلق ....يا أيها الإنسان انك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ....تنطلق الأتان أكثر ....سورة أخرى ربما ..... لقد خلقنا الإنسان في كبد.... تقترب الأتان من الحقل.... يقترب أكثر ينزل فاسه ... ماكينة الري ... لا تعمل ... يدركه ابنه... السولار ... مشوار آخر نحو البيت ... الفأس ثانية ....قطع صغير في الطريق ...تعمل الماكينة ... ينهمر الماء .....يقترب الفجر أكثر ... يتغير القرآن إلى تواشيح ..... يا من طابت الدنيا ببعثته .....تتلاشى الظلمة .... تتضح رؤيته للأرض .... ليس من شبر لا يراه ..... خط هنا أوشك على الانهيار ... تدهمه الفأس ربما ....خط آخر لا يصله الماء ......دعم آخر .....هكذا يزداد صوت التواشيح علوا .... يزداد العمل ...جيئة وذهابا ... منطقة عالية .... يقطعها .....الله اكبر الله اكبر .... هنا حيث إشارة التوقف .... توضع الفأس أرضا ... يميل إلى الترعة ... يتوضأ .... يفترش قش الأرز و ... الله اكبر ..... الفاتحة ... قل أعوذ برب الناس .... ركعة ثم ....الفاتحة ...ثقل ما ينتابه مع دخول شبورة الفجر أنفاسه العجوز ... قل هو الله احد .... ركعة ثانية .... يكمل الصلاة .... الثقل يزداد .... يريد أن ينادي ابنه من آخر الأرض ... ثقل أنفاسه لا يسعفه ....يقرر ربما الاستسلام للنوم ... تبدأ الأحلام ....فتى صغير يلهو حافيا .... بجلابية أشبه بالخرقة ....طاقية فلاحي يرتديها وينظر لنفسه ربما في مرآة الزير .....وابور جاز يطهو ما لذ وما طاب ..... وحسناء سمراء اللون تبتسم له في براءة وخجل شديدين .... أطفال يلهون في شارع كبير لا تعرف له آخر و...............
يكمل القارئ قراءته يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلي ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي .... هنا حيث ينتهي العزاء .... يذهب أناس ويأتي آخرون ... ربما لتقديم الواجب ....وسط تجهم كبير من ذلك الشاب الذي كان مع أبيه في الحقل هذا الصباح .... وينتهي آخر السطور في آخر ورقات كتابه بعجوز وشابة .... احمرت وجنتاهما من اللطم ...... ينتهي الأمر أخيرا .... ليفعل الزمان فعلته المتكررة مع تلك الصفحة .... ضاما إياها مع أخواتها في معدة النسيان........ كي يصبح قبل أثرا بعد عين ....ثم إن النسيان أيضا لا يرحم ... فتراه بمؤامرة ما مع الوقت يفترس حتى ذلك الأثر ... فعلته وهو أولى بها.



  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تابعنا على الفيس بوك

آخر التعليقات

أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *