الجمعة، 6 مايو 2016

لحظة موت | Mohamed Elsayed Abdelzaher



لحظة موت
كلما أنظر إلى من في القبور وأعلم أن فيهم كثير من العظماء , ثم أنظر إلى مَن يعيشون وأعلم أن فيهم كثير من الحقراء , أظن في اللحظة الأولى أن الموت ليس عادلاً , ولكن بعد ذلك أتيقن أن لذلك حكمة لا يعلمها إلا الله .

إنها الثالثة والنصف بعد العصر من يوم الجمعة الموافق السادس والعشرين من شهر رمضان , وكانت الشمس شديدة الحرارة حيث أن درجة الحرارة لذلك اليوم كانت تصل إلى 42 درجة , كما كان الشارع مزدحم بالناس أمام المسجد ويسود الحزن على وجوه الجميع , وكذلك الصمت على عكس ما نعتاد عليه دائماً في وجود الزحام من أحاديث ثنائية أو جماعية .
كانت أمي ترتدي ملابس سوداء وكذلك كانت أختي وجميع النساء الموجودات معهما , كما كانت تسيل الدموع على وجه أمي وليس هي فقط بل وكثير من النساء أيضاً , وبعد أن انتهت صلاة الجنازة خرج الجميع من المسجد وكان بعض أقاربي ومعهم أبى وأخي يحملون صندوق كبير فيه المتوفى والذي كان من عائلتنا .
بدأ الجميع في الذهاب مشياً إلى المقابر لدفن ذلك المتوفى , ورغم أن المسافة بين المسجد والمقابر لا تحتاج سوى ثمانية دقائق فقط إلا أنني شعرت أنها استغرقت ساعات , وكأن هذا المتوفى لا يريد مغادرة أهله بهذه السرعة ويريد البقاء معهم لبعض الوقت , ولكن لكم من الوقت فالموت حتماً ليس بالاختيار .
وكان معظم الناس يستخدمون مناديلهم الورقية ليس فقط ليمسحوا دموعهم بل أيضاً ليمسحوا العرق الذي كان يتصبب على وجوههم من شدة الحرارة , وكان قد سبقنا بعض الأقارب وأحد الشيوخ لفتح المقبرة وتجهيزها لاستقبال متوفى آخر قادم إليها .
وعندما وصلنا كان البكاء قد اشتد لكثير من الموجودين خاصةً عائلتي حتى كاد يصل بهم الحال إلى الصراخ , في حين كان يحاول البعض تهدئتهم ومواساتهم حتى بدأ الشيخ بتلاوة بعض آيات القرءان , ثم ألقى خطبة قصيرة والتي كان لها أثر طيب في عودة الهدوء قليلاً إلى المكان , وكان معظم ما تحدث فيه الشيخ كان عن رحمة الله عز وجل بعباده وأن شيء يمكن فعله للمتوفى ليس البكاء والصريخ وإنما الصدقات والدعاء له .
عندما جاء وقت دخول المتوفى إلى مسكنه الجديد في قبره كانت قد بدأت بعض الأحاديث الجانبية في الظهور , حيث أنها تعتبر عادة أصيلة في الإنسان لا يحتمل العيش بدونها , حتى لو كان بمفرده نجده يتحدث مع نفسه , وكان ما سمعته خلال تلك الأحاديث هو ما شغل تفكيري حيث لأنها كانت كلها عن المتوفى , والتي تحدثوا فيها عن صفاته واحترام الناس له وحُسن خلقه ورضا والديه عنه , وكان الغريب في الأمر أنه كان يشبهني كثيراً ليس في صفاته فقط بل والاسم أيضاً .
ثم بدأت أفكر في هؤلاء الناس الموجودين سواء من كانوا يبكون أو من اكتفوا بتعابير الحزن على وجوههم , وأنهم سوف يعودون إلى بيوتهم بعد دقائق قليلة وماذا سيكون حالهم عندئذ , فأعتقد أن عدد ضئيل جداً من سيظل حزيناً على هذا المتوفى لسنوات ويظل يتذكره , وأن الكثير سيظل حزيناً لأيام وربما بضعة أسابيع , كما أنه يوجد أيضاً من يكتفي بهذا الحزن حتى عودته لمنزله فقط , وأن الجميع سيعودون إلى ممارسة حياتهم كما كانت من قبل وذلك بفضل النسيان , والذي لا أعرف ما إذا كان نعمة من الله أم غير ذلك ؟ , فكما يكون النسيان مُريحاً في أغلب الأمر إلا أنه مؤلم أحياناً .
دخل المتوفى مسكنه الجديد وتم إغلاق القبر عليه ليسود بداخله الظلام وعاد الجميع إلى منازلهم بعد أن قاموا بقراءة الفاتحة والدعاء له , ولكن الغريب هو ما وجدته وهو أنني لم أكن قد غادرت معهم وبقيت في القبر , فهل سيلاحظون غيابي عنهم وأنني مازلت في القبر أم لا ؟! وهل سيعودون من أجلى مرة أخرى عندما لم يجدوني بينهم أم لا ؟!
وبدأ الخوف ينتابني حتى سالت دموعي ونبضات قلبي قد توقفت تماماً , فعلمت وقتها أنني لن أعود إليهم مرة أخرى وأن هذا سيكون مكاني إلى يوم البعث , وفى حقيقة الأمر أنني كنت راضياً تماماً بكل ما قدره الله لي ولكنى كنت أتمنى لو أستطع تقبيل أيدي أمي وأبى قبل مغادرتهما , وكانت هذه هي النهاية التي أتمنى أن يحدث الكثير منها بل معظمها .Mohamed Elsayed Abdelzaher

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تابعنا على الفيس بوك

آخر التعليقات

أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *