قصة قصيرة
بعنوان تحت الغيث
ها أنا ذا كعادتي .. امشي وحدي داخل ظلام الليل الحالك .. أتحرك بحركات ثابتة مرتديا سترتي الثقيلة التي تقيني من انخفاض درجة الحرارة في هذا الشهر البارد من السنة ، أتأمل الوجوه العابسة في وجوم , تبدأ قطرات الغيث بالهطول مبددةً أخر أمل في وجود الحياة بالشوارع ، أرى ذاك الشاب الذي يستحث الخُطى مسرعاً لينجو من ذلك البرد القارص .. وأرى تلك الفتاة التي كانت تنظر من نافذة غرفتها تتحدث في هاتفها الخلوي، ولكنها تغلقها لتحتمي من هذا الطقس وأرى تلك السيدة العجوز الذي استحال وجهها إلى تجاعيد فارضاً سلطته على باقي وجهها , والتي تحاول الإسراع هي الأخرى لدخول مأواها بسلام ، إلا أنا من بقيت أتحرك كما أنا و كأن شيئاً لم يحدث ، أمشى هكذا بلا هدف أتحرك هنا وهناك ، أتذكر عندما كُنتُ صغيراً ، عندما كنت انتظر هطول المطر بلهفة حقيقية ، وببراءة الأطفال كنت ألهو تحته والفرح يغمرني غير عابئ بنظرات الناس حولي ، استمر بالرقص واللعب حتى يتملكني التعب ويتغلب على رغبتي العارمة في البقاء تحت الغيث .. لأعود إلى البيت منهكاً ويبدأ النوم بالزحف الي حتى استغرق فيه ، أتذكر تلك الأيام فتبدأ الابتسامة الجانبية بالظهور تلقائياً , وفى نفس اللحظة أراه !
طفل صغير تعدى عمره بالكاد التاسعة ، مشتملاً بملابسٍ متهرئة بالية تغزوها الثقوب لتدل على حياة قاسية من المستحيل -على طفلٍ مثله- أن يتحملها .. وجهه شاحب كأنه خالٍ من الدماء ، يبحث عن الدفء بشتى الطرق لكن جميع محاولاته تبوء بالفشل ، وعندما تلاقت عيوننا ، نظر لي نظرة بقيت و ستبقى محفوظةً في ذهني إلى الأبد !
" أليس لتلك البرودة قلبُ ، كيف تستطيع تعذيب الصغير هكذا ؟"
تضاربت المشاعر داخلي عندما رأيته ، مشاعر مختلطة ما بين الشفقة و الغضب و الحزن و مشاعر أخرى لا أعرف كنهها الشفقة على حالته المُزرية ، والغضب من الناس عابسة الوجوه .. إن كان لك مأوى تحتمي به وملابس تسترك إذا فلماذا يتشبث العبوس بتقاسيم وجهك ؟ ، والحزن لوجود أطفال تشبهه كثيراً بل إن هناك من هم أسوء حالاً منه .. اقتربت منه أكثر وأكثر ، بدأ ينظر لي بخوف قبل أن أطمئنه أنا بابتسامة حانية .
ومن ثم خلعتُ سترتي الثقيلة لأضعها عليه ، لعل و عسى أن تدفئه ، فتبسّم الصغير و أخذتني تلك الابتسامة إلى مكانٍ بعيدٍ ، أخذتني تلك الابتسامة إلى جبال السعادة لتضعني فوق القمة ، نظرت له نظرة طويلة قبل أن أمشي بجانبه .
و إن سألتني : ماذا فعلت لتحتمي من تلك البرودة بعد خلعك لسترتك ؟
أقول لك : إن ابتسامة الصغير تلك .. قد أشعلت الدفء في صدري .. !
* تمت *Mohamed Elfatiry
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق