الثلاثاء، 20 سبتمبر 2016


مسابقة تحدي الإلهام والإبداع 
ياسمين مصطفى 


ولكني لقيط

حين تغلق الدنيا أبوابها في وجهك ، وحين يظهر لك بنو البشر وجوههم الخفية، وحين يسقيك الدهر ويلاته، فلن تجد لك مكانا ولا مرسي بعد الله سوي والديك، يقولون أنه لا حب صادق في تلك الحياة سوى حب الأب لابنه،ولا ناصح أمين مثله ، فكيف إذا كان ذلك الأب هو مصدر شقاءك؟! هكذا كانت حياتي ولازالت، اسمي محمد كمال أحمد..ماذا ؟؟ محمد ماذا؟؟ حقيقة أنا لا أدري من هو المدعو كمال أحمد ولكنه الاسم الذي كتب في شهادة ميلادي يوم ألقوا بي في دار لرعاية الأيتام، فلم يكن بحوزتي وأنا الطفل ذو السبع شهور أي إفادة تنم عن عائلتي ، فأطلقوا علي هذا الاسم الذي لا إثبات عليه، نشأت في دار الرعاية لحين بلغت السابعة حين أتى طاهر بيه وزوجته ليكفلوني، أذكر أنني كنت سعيدا بذلك الأمر حينها،ااااه كم كنت أحمق، نظرت الي سيارتهم الفاخرة فظننتها تنم علي رقي مالكها ، المهم أني ذهبت معهم برضا نفس، عشت عامي الأول في دلال ونعيم لم ألق مثله من قبل -ولا من بعد- ثم حدثت المعجزة الطبية وأنجبت زوجت طاهر باشا ابنتها فريدة، فريدة-اسم ملوك- وهي كذلك حقا، ومن حينها حتى عامي هذا أصبحت لقيطا ، شعرت بمرارة الكلمة وسخف معناها مرات ومرات : فكم من مرة سمعت طاهر بيه يقول لزوجته أني لقيط، الناس لا تحكم إلا بظواهر الأمور ، فالجميع يحسدني كلما تذكروا أني أقيم في ذلك القصر الفاخر لكنهم لا يدرون كواليس ذلك القصر المؤلمة ، واني لأعجب من أمر الحاسدين، فإذا هم أقاموا النية علي أن يتناوبوا حسدي ، فعليهم أيضا أن يحسدوني بجميع أموري ، همومي ، أوجاعي، لطالما عانيت من التمييز في المعاملة ولطالما تجرعت مرارة القسوة من ذلك المجرم....المجرم؟؟؟ تري أيهما يكون المجرم الحقيقي ،أهو من أتي بي لهذه الحياة ثم ألقاني علي جانبي شوارعها لاستنشق خيبات أهلها وفساد سريرتهم؟! أم هو من انتشلني من دار الرعاية ليلقي بي في ظلمات سجنه ويطعمني كأس التفرقة وآلام الذل؟!! كل شيء قد يهون في سبيل تحقيق ما أصبو إليه، صبرت طوال تلك الأعوام لقلة حيلتي واحتياجي، والآن أنا جامعي وبدأت اعمل منذ عامي الأول في الجامعة، وقد استأجرت منزلا صغيرا للعيش فيه. فاني أفضل الجحر مع الحرية علي القصر مع الذل والهوان، ولكن حين مكثت في بيتي ظلت ذكريات الأمس تطاردني ، تقدمت منذ شهرين خطبة احدي زميلاتي في الجامعة بعد قصة حب استمرت لعامين،
فضلت الصراحة علي الخداع والمراوغة وكم كان الاكتشاف مثير؛ لا احد يحب الصراحة، أغلب قادة العالم البارزين ما هم إلا مراوغين بارعين، قال لي والد تسنيم...((لكنك لقيط)) ، ومنذ تلك اللحظة قررت أن ابتعد عنها بل وعن العالم بأسره وأتفرغ لدراستي في كلية الحقوق وحسب، ...مرت الأعوام سريعا وها قد أصبحت بفضل الله ثم بالمجهود والمثابرة وكيلا للنيابة، أنا الآن متزوج وقد رزقني الله طفلتين قر بهما عيني ، ما تلك الضوضاء بالخارج، أن أحدهم يريد مقابلتي في أمر عاجل، دخل فعرفته وهو لي منكر ، سألني واستحلفني بكل غال لدي أن أساعده فقد وقع زوج ابنته في ورطة ماليه قبض عليه علي إثرها وهو الآن داخل السجن ، فطلب مني ذلك الكهل أن أساعده، نظرت في عينيه البائستين وأمعنت النظر فظل منكرا لي ،فقولت ألا تذكرني يا شيخ؟؟ قال من؟ فذكرته بنفسي و بسابق عهدي به، فأبتسم ابتسامة غريق وجد قاربا وقال إذن أنت أصبحت وكيلا للنيابة، ثم استحلفني بكل غال أن أساعده وأساعد زوج ابنته، فنهضت من مجلسي وقلت أسعدني لقاؤك لكني ليس بوسعي شيء، قال ألست وكيلا للنيابة، فابتسمت وقلت ((ولكني لقيط)).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تابعنا على الفيس بوك

آخر التعليقات

أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *