الثلاثاء، 20 سبتمبر 2016




مسابقة تحدي الإلهام والإبداع  


محمد علي

في بيتنا لقيط
في مرحلة الطفولة نكون حساسين جدا فيما يخص اهتمام الآباء و الأمهات ، يعترينا الغضب حين نرى أمهاتنا قد حولن ولو بعض اهتمامهن لغيرنا حتى ولو كان لإخوتنا ؛ نرغب دائما في الفوز بكل الرعاية والحب .
كنت دوما طفلا أحب التملك ، والآن أجنى ثمار تلك الصفة، وكان الفوز بما أريد أسهل حتى من إظهار الشعور بالجوع، كنت فقط أتظاهر بالبكاء دون أن أذرف دمعة واحدة تدعم خطتي، حتى تسرع أمي لتعطيني ما أطلب .كنت أحسب أن كل الأمهات يمكن خداعهن بسهولة ،ولكن بعد أن كبرت فهمت أن أمي حالة خاصة ،فهي لم تنجب إلا بعد وقوفها على حافة اليأس من الإنجاب ؛ وكذلك لم تنجب غيري لذا كنت الطفل المدلل الذي يطلب ما يريد ، ويحصل على ما يريد ، ولكن لا ترافقنا السعادة دائما وإنما يبهت تأثيرها في خريف حياتنا ثم تورق مجددا حين يأتينا الربيع . لا ندرك تماما متى سوف يأتي هذا الربيع!! ولكننا نقاوم الخريف بكل قوتنا لننجو من سيل السواد الذي يجتاح ذلك الخريف ، وأي خريف يمكن أن يعيشه طفل مثلى أتعس من قدوم فرد جديد إلى بيتنا لينال كل الرعاية والاهتمام، وأعيش أنا وحيدا بين ألعابي القديمة التي اشتريتها منذ أيام !!
يبدأ خريف طفولتي في سن الثامنة، مساء يوم غزير المطر حين دخل أبى البيت وهو يحمل في يده طفلا صغيرا جدا .أصابتني الدهشة فأنا لم أرى بطن أمي كبيرا في الآونة الأخيرة فكيف إذا ....!!! لم أكمل التفكير وأسرعت إلى أبى لأساله من هو ذلك " النونو " !! ولكنه لم يجيب بل دخل إلى غرفته وتبعته أمي مسرعة ، وأنا وقفت في مكاني أفكر قليلا ؛ هل هذا أخي؟ هل سيعيش معنا هنا ؟ وماما ستلعب معه مثلى !! لا لا يمكن هذا
خرج والدي من الغرفة بينما أمي ظلت بالداخل مع ذلك الصغير حتى نام ثم خرجت .تساؤلات كثيرة طرحتها على أمي والإجابات غير مرضية نهائيا ؛ إذن سيعيش معنا ذلك " النونو " .
لم يسعدني ذلك نهائيا وحدث ما توقعته حظي هو باهتمام أمي الكامل، وأنا أجلس وحدي، ألعب وحدي، وحتى قصص أمي لم أعد أسمعها كل يوم .
قررت يوما أن أثور على ذلك الوضع، فضربته حتى جاءت أمي من المطبخ على صوت بكائه وقد رأتني وأنا أضربه، دفعتني بعيدا عنه ثم حملته حتى سكت عن البكاء. في ذلك اليوم، جاءت أمي إلى غرفتي قبل النوم وقد أحسست أن ثورتي أتت بنتائج أنتظرها. لم تحك لي أمي أي قصة ولكنها تحدثت معي عن "أخي " وقد كنت إلى حد ما أفهم كلامها وقد صرت في التاسعة من عمري. أخبرتني أمي أنى يجب أن أحبه فهو أخي الصغير، وأنه ليس لديه أب ولا أم لذا سيعيش معنا ؛ وعندما سألتها لماذا هو بلا والدين ، أخبرتني أنى سأفهم حين أكبر بضع سنوات .
منذ ذلك اليوم صار ذلك الطفل أخي حقا، وأمي أيضا صارت تهتم بي مثله تماما .حسنا كنت أفضل المزيد من الاهتمام ولكن لا بأس بهذا الآن فربما أنظم ثورة لاحقا من أجل مطالبي.
الآن وبعد عشر سنوات، صرت أفهم كلام أمي في ذلك اليوم كل الفهم ، ولم أعد أحب أكثر من قضاء الوقت مع أخي الأصغر وأحيانا أساعده في دروسه .ويبدو أنه أذكى بكثير منى !!
لا أعرف لماذا أدون ذلك في مذكراتي ! ولماذا أكتب مذكرات من الأساس !! ولكن على الآن أن أنهى كتابة هذه المذكرة لأذهب مع أخي في مهمتنا الأسبوعية السرية جدا لنعطى ثيابنا القديمة لبعض أطفال الشوارع ،و كذلك بعض الطعام اشتريناه من حصالة مخصصة لتلك المهمة ، وفى كل مرة أرى دموعا ترفض الخروج من مقلتي أخي حين نعطيهم الأغراض وكأنه يطمئنهم رغم كل الظروف الاجتماعية والأخلاقية التي أتت بهم إلى الشارع، وليتذكر أنه كان سيلقى المصير نفسه لولا وجودنا في حياته .حين أخبرته أمي بحقيقة أنه لقيط ، ارتمى في حضنها وبكى امتنانا لها وقد بكت هي الأخرى .حسنا لم أبك مثلهما وأرتم في حضنها أيضا فكما تعرفون أنا أخطط لإحدى الثورات التي أقوم بها لزيادة مصروفي، وعلى أن أبدو قويا حتى تنجح الخطة......
إن أطفال الشوارع هم ضحايا فساد ، ليس فسادا جزئيا وإنما فساد شامل : فساد اقتصادي،  واجتماعي، وأخلاقي، وديني أيضا .ليس ذنبهم أنهم لقطاء، ولكنه ذنب من فسدوا قبل إنجابهم. وذنبك أنت أيضا لأنك لم تحاول أن تمد يد العون لهم ، فمن يعرف؟! ربما تجد بينهم ابنك الذي هرب من البيت منذ سنين!! لا تقل" لكنهم لقطاء " فربما كنت مثلهم ولا تعرف ذلك .........

#محمد_على
#فى_بيتنا_لقيط



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تابعنا على الفيس بوك

آخر التعليقات

أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *