غرفة الانتظار
من أكثر الأشياء المحبطة للإنسان هي الزمن و محاولاتنا اليائسة لإدراكه و فهمه.. فالوقت في تحرك دائم إلى الأمام و نحن ليس لدينا القدرة أن نوقفه أو نعيده أو حتى نقدمه قليلاً فلا نستطيع معرفة ماذا سيحصل .. فالمستقبل بالنسبة لنا هو فراغ و الماضي عبارة عن ثابت.
فما نحن إلا لعبة يجرّها خلفه الزمن ..
- " ربما نتأخر أكثر من ساعة ..أخذت رقما للدخول إلى الطبيب وتوجهت للجلوس فى غرفة الانتظار..وجوه كثيرة مختلفة .. منهم الصغير ومنهم الكبير..
الصمت يخيّم على الجميع ... يوجد عدد من الكتيبات الصغيرة استأثر بها البعض .. أجلت طرف عينىّ في الحاضرين ... البعض مغمض العينين لا تعرف فيم يفكر ... والآخر يتابع نظرات الجميع..
مازال هناك أدوارا أمامى ..البعض مثلى تماما يشعر بالقلق والملل من طول الانتظار., يقطع الصمت الطويل ..صوت المُنادى .. برقم كذا ..فتظهر الفرحة على وجه المُنادى عليه ..يسير بخطوات سريعة .. ثم يعود الصمت من جديد..
لفت نظرى شاب فى مقتبل العمر ..يجلس أمامى ..لايعنيه أى شئ حوله , يحمل مصحف الجيب الصغير يقرأ فيه .. لم يرفع طرفه حوله..
نظرت إليه لكننى لم أهتم لحاله كثيرا .. ومع مرور الوقت وملل الانتظار جذبتنى شخصيته الهادئة ..ودفعنى للتساؤل ..كيف يجلس تلك الساعة الكاملة منغمسا فى القراءة دون أن يفعل شيئا أخر؟؟ ومنها دفعنى إلى تفكير عميق فى أسلوب حياته وكيف يتعامل مع الوقت ؟.. كيف يجلس طول هذه المدة ولم يمِل .
أختلس بعض النظرات إليه تارة .. وأعود لأنظر إلى المُنادى تارة أخرى .. أستعجل رقمى .. أستثقل طول الانتظار..
فى تلك الغرفة ..مرت أكثر من ساعة وما زلت أنتظر دورى ..
وبعد بضع لحظات خرج شخصا من غرفة الطبيب ..يتلمس الأشياء ببطئ وكأنه يودعها ..
شعرت أننى أنتظر شيئا مجهولا .. زاد من قلقى .. وأخذت أفكر ما نهاية هذا الانتظار ؟ .. فالإنسان يعيش حياته كلها فى انتظار لمجهول .. ليوم لا نعلم معاده لكننا نعلم أنه حتما سيأتى يوما...
هذاالانتظار المجهول .. مثل تلك الحياة ..لا أعلم ماذا سيحدث بعد قليل؟ لكننى أنتظر ..
قاطعنى صوت المُنادى وهو ينادى رقمى.. حينها ازداد خوفى .. كأننى مُقبلة على إمتحان ..لا أعلم ما ستكون نتيجته ؟؟ ولم أعلم لم كل هذا الخوف ؟؟
تماما مثل ذلك اليوم الذى سأضطر فيه إلى الإجابة عن طول هذا الانتظار.. وماذا فعلت خلال كل تلك المُدة ؟؟ ..
قاطعنى مجددا صوت المُنادى وهو يشدد بصوته وينادى على رقمى مجددا .. فأجبته .. "نعم".
كنت أسير ببطء .. لا أريد الدخول إلى الطبيب .. بعد أن كنت أنتظر مدة طويلة وطال الملل .. إلا أننى الأن مترددة ..لا أريد الدخول .. لكن علىّ ذلك .
أتثاقل الخطوات وشعرت كأننى أترنح عن الخط .., تسمرت مكانى قليلا .. وأنا أفكر .. هل حان دورى الأن حقا؟.
لكن بيدى أن أدخل فى النهاية ..ولكن ما الفائدة؟؟ إذا كنت سأدخلها حتما ؟؟..
أخذت أنظر إلى باب الخروج .. وغرفة الطبيب ..تعطل مخى عن التفكير .. تسمرتْ الخطوات وتخبطت فى بعضها .. لم يصل إلى العقل أمر محدد..
وقف المُنادى أمامى .. يتحدث إلىّ حتما .. لكننى لا أسمع شيئا .. تختفى الصورة أمامى . لا أرى شئ ولا أسمعه .. غالبا أشعر أنه يصرخ بوجهى .. أعتقد أننى أفقد الشعور أيضا... تتبلد المشاعر .. تتحجر القلوب...تجف الحناجر..... تتلاشى الألوان من الكادر أمامى ..
حتى .. باتت الصفحة بيضاء تماما..
ولم أعلم بعدها ما حدث..
النهاية
هدى محمد
أكسجين حروف
مواهب أكسجين حروف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق