الاثنين، 21 ديسمبر 2015

هذه حكايتي | محمد أحمد بيت المال


ذات ليلةٍ مطيرةٍ شاتية ، تاقت نفسي أن تترجل في شوارع قريتي ، لففتُ عمامتي على رأسي ، التحفتُ بعباءتي القديمة ، رخاتٌ من المطر الخفيف تلطم وجهي ، قُبيل المغرب كانت رحلتي ، رائحةُ المطر الزكيّة تُنعش فؤادي ، أسير الهُوينا أتمتّع بجوٍ يأسر قلبي ، ويُحاكي زمناً أعشق أن أعيش في خياله ، يذَكرني بأيام طفولتي ، وأنا في حضنِ أبي وأمي وبين إخوتي ، في تلك القرية الوادعة الجميلة ، ظلمة الليل تزداد رويداً رويداً ، السماء ملبّدةٌ بالغيوم مع انقشاعٍ بسيط فيها أحياناً ، ليلةٌ قمريةٌ بدريّة ، كلما زاحت غيمةٌ تبدّت خيوطٌ من أنوار القمر تضفي على المكان روعةً وجمالاً ، على مدّ بصري أرى طيفَ خيالٍ قد احتمى بجدارٍ من رخاتِ المطر الخفيف ، أقتربُ فإذا بي أمام طفلةٍ صغيرةٍ وديعة ، ترسّمت البراءة على محيّاها ، وجهٌ ملائكيّ مُلئ نضارةً وحيويّة ، بماء الذهب قد توشّح شعرها ، بلون السماء قُبيل الغروب تكحلت عيناها ، ثغرٌ باسم يردّ نور القمَر كلما برقت ثناياها ، جبينٌ وضاء سبحان من خلق وصور فأبدع اقتربتُ أدنو منها رفعت عيناها على استحياءٍ وخجل ، دمعةٌ تنسكب على خدّيها ، يتلعثم لسانها فلا يكاد يبين بكلام ، نظرتْ إليّ وقد أيقنت بسؤالي : من أنتِ ؟ وما الذي أقامكِ هذا المقام ؟ ، زَوتْ بناظريها إلى الأرض ، ومسحت الدّمع عن خديها تريد أن تَبين عن حالها ، فقالت : عمّاه ، أنا طفلةٌ عربيةٌ سوريّة ، مسلمةٌ سُنية ، من عائلَةٍ بدويّةٍ غنِية ، قصرٌ منيف ، حدائقَ غنّاء ، أشجارٌ وارفة ، ثمارٌ وأزهار ، حياةٌ ناعمَة ، رغدةٌ هنيّة ، أعيشُ في حضنِ أبواي ، أتنعّم برضاهما ، أتعبّد بالنظر إليهما بين إخوتي في هناءٍ وسعادة ... تبرّم الزمان ياعمّاه ، دُمرت داري ، قُتل أبي وأمي ، لا أعلمُ أين إخوتي ، تحطّمت أسوار مزرعتي ، لم أعُد أرى جيراني وأحبتي ، ركامٌ فوق رُكام ، وصراخٌ يعلوهُ صُراخ ، آهاتُ الثّكالى تقرع آذانِي ، أنات المرْضى تقضّ مضجعي ، فقد الأحبّة يُكلِم قلبي ، وهي تحكي قصتها تصبب الجبين عرقاً ،قد تبدّى من مُحياها خجلُ البراءة والطفولة ، وهي تروي بؤس قصتها ، قطراتٌ من رخات المطر تحدّرت كالجُمان على وجنتيها ، فازدادت بذلك حُسناً وبهاءً ، وامتزجتْ حُرقة حالتها مع وداعة براءتها . تلمّستُ بيدي بعض الدراهم في جيبي ؛ لأدفعها إليها ، فقاطعتني بكلامها : أنا يا عماهُ لا أشحذُ درهماً ولا ديناراً لأسُد جوعَتي وأطفئُ لهيب ظمَئي ، أنا أشحذ كرامةً لوطنٍ قد انتهكت حريته ، أشحذ عزةً لعروبة قد افتُقدت ، أشحذ نخوةً من أمةٍ قد ماتت وانتحرت ، أشحذ غيرةً على ديني وإسلامي ... على استحياءٍ رددتُ يدي في جيبي ، تسمّرتْ قدماي ، انقطعت أحبال أفكاري ، تضاءلتْ نفسي بين جوانحِي ، أن قصُرت عن فهم حبيبتِي ، وطاف بي خيالي لأسمع صوتاً يقرع آذاني من ماضٍ ليس ببعيد لأبياتٍ حفِظتها ، تستنهضُ همةَ أمة ، تستنجد نخوة عروبة ، تستغيثُ قلوب المسلمين . أمَا للعرض من حامٍ غضوبٍ يهان العرض يغتصب اغتصاباً أمَا من عبدلِيٍّ يا قريش فإن الفيل قد جازَ الشعاب أمَا من نهشلِيٍّ يا تميمُ أمِ الأقوام قد صاروا تراباً أما من نخوة يا آل قيسٍ أمِ الجحّاف قد آوى وتابَ ويح نفسي بما أجيب بنيتي ، ويح قلبي كيف أهنأ بحياتي ، ويح العيون التي تنام ملء الجفون ، ويح ظلم الأنام من ربّ لا ينام . فلا مُلئت بطون ولا نامت أعين الجبناء . كانت هذه حكايتي مع معشوقتي الفاتنة (سوريّة) نُسيبه محمد | محمد أحمد بيت المال #أكسجين_حروف #مواهب_أكسجين_حروف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تابعنا على الفيس بوك

آخر التعليقات

أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *