الاثنين، 11 يناير 2016

الملاهي | آية رأفت


الملاهي.. يا له من مكان،
 يذهب الكبار و الصغار إليه ليتمتعوا و يلعبوا..
 لا يعرفون أن هناك غرضًا آخر لهذا المكان..
هل تتسائلون ما هو هذا الغرض؟ ، هل تريدون حقًا أن تعرفوا؟ ،
 أظن أنه من الأفضل ألا تعرفوا.


وقف عبد الله بجوار تلك اللعبة شاهقة الإرتفاع،
 يتناول النقود ممن يريد اللعب و يعطيه تذكرة تمكنه من إتخاذ مقعده
 ليدور و يرتفع و يدور..
مرت سيدة في عقدها الثالث.. تشع جمالا..
فيلتفت الجميع إليها ، و من ضمنهم عبدالله..
 ينظر إليها و يقول في نفسه.. " ما أجملها..!"
 يتخيلها زوجة له.. فهو مازال أعزب بالرغم من إتمامه العقد الخمسين..!
نظر حوله في توجس، فكر في التراجع.. قرر أن يعود للصعيد مرة أخرى
 ضاربا بتلك الوصية عرض الحائط، لكن قدمه تقدمت رغما عنه،
 يشعر بشئ يجذبه ليدخل إلى غرفه الطاقة ،
ثم يقوم بإزالة العزل عن أسلاك الكهرباء، و يفتح صنبور الماء القريب منها..
خرج بعد ذلك ليسمع دوي عال..
 و يرى النيران تشتعل من خلفه..
لتتحول مدينة الملاهي لكتلة من النيران المشتعلة..!
*******
وضع إبريق الشاي على النار التي أشعلها مستخدما الحطب،
 و جلس ينتظر إختماره في هذا الظلام الدامس إلا من ضوء خافت
 ينبعث من غرفة على بعد ليس بقليل، في أقصى الصعيد
 يجلس وحيدا بين الأموات، لا حياة في المكان إطلاقا،
حتى الحيوانات هجرته..!
ينضج الشاي فيفرغ كوبا و هو يمدد قدمه ناشدًا بعض الدفء و الراحة،
 لقد كان يوما شاقا ، ثلاث جثث في يوم واحد ،
جميعهن من النساء كما إعتاد دوما،
 الأمر الذي أعاده لذكرى قديمة لم تغب عنه يوما،
 و التي كانت السبب في بقائه أعزب كل هذة المدة
حتى بلغ الخمسين من عمره دون أنيس أو جليس..
يستعيد ذكريات قديمة.. والدته التي ماتت بعد ولادته مباشرة
كما قال والده ، زوجاته الثلاث اللاتي توفين فور إنتهاء العرس..
و رفضه منذ ذلك اليوم الزواج.. أو رفض النساء الزواج به
 لأن الحظ العاثر يلازمه كما يبدو،
فلا امرأة بقيت في حياته إلا تلك الجثث التي يدفنها كل يوم..!
اختار هذة المهنة حتى لا يكون في حياته سوى الأموات ،
 فلن يتطاير به أحد إذا دفن الأموات..
 الأموات لن ينفروا منه.. لن يهربوا منه..
الوحشة تفتك به.. و البرد يمنهش عظامه ،
كل المشاعر المؤلمة تزداد ليلا..
أماه ليتك هنا..!
ليت القدر لم يأخذني ستارا لمخططاته..!
ليت الموت لا يلحق بي..!
أغمض جفنيه و أخذ يستنشق الرائحة من حوله..
للحزن رائحة تلازمه.. و لا يدري هل الموتى مصدرها .. أم تخرج من أعماقه..!
شعر بشئ يداعب عينيه.. خيط من نور..
لم يفتحهما فكم من المرات تخيل النور في جوف الظلام
 و عندما فتحهما لم يزدد إلا ظلمة..
 اهتز فجأة إثر تلك اللمسة على كتفه.. هل يتوهم؟!
فتح عينيه ببطء ما بين رهبة و أمل.. أنتفض من مكانه عندما رآها..
- لا تخف.. لن أؤذيك.
لم يكن خائفًا و لا يدري السبب..
هل الوحدة جعلته يتمنى وجود أي شخص..
 أم إعتقاده بأنه يستطيع قتل أي امرأة تقترب منه..
 هل جمالها الآخذ.. أم الوداعة في عينيها.. لا يدري..!
اقتربت منه.. وضعت وجهه في يديها .
- عبد الله.. ولدي.
ابتعد عنها بسرعة..
- ولدك!! أي ولد؟!
جلس عبد الله الدهشة تعلو وجهه..و هي تخبره بكل شيء..
و أي شيء هذا الذي تخبره به؟!
- لقد توفيت من حوالي مائة و خمسين عاما..
أصابتني لعنة فبقيت روحي عالقة في هذا العالم..
لكن جسدي لا يظهر إلا كل خمسين عاما مرة لأبقى ليلة واحدة
 ثم يختفي من جديد.. كانت المرة السابقة.. يوم تزوجت والدك ..
 ستتعجب كيف أتزوج و أنا ميته..
 لكنني عندما استعيد جسدي أصبح كالأحياء تماما لا فرق بيني و بينهم..
 تزوجته في هذا اليوم..
ثم أختفى جسدي ليفاجأني بأنني أحمل في أحشائي جنينا..
و هي السابقة الأولى في عالمنا..
و تم الإتفاق على عودة جسدي من جديد لحين ولادتك..
 و بعد أن وضعتك أختفيت فورا..
مر خمسون عاما لأظهر من جديد..
و أرى ولدي الحبيب الذي حُرمت منه كل تلك المدة..
كان عبد الله لا يستطيع الحديث أو الحركة.. فقط يسمع بكل حواسه..
مسحت الدموع التي تترقرق في عينيها ثم قالت
- ليس هناك الكثير من الوقت.. فموعد رحيلي عند طلوع الفجر..
لذا يجب أن أخبرك الأمر الأهم الذي انتظرت اليوم لأجله..
ربما ستتعجب و لن تصدق و لكن أسمع جيدا يا بني..
يجب أن تسافر إلى القاهرة.. و تذهب لمدينة الملاهي..
أرتفع صوت بكائها..
فقد أصابتك اللعنة يا بني.. و أصبحت سفيرا للموتى..
 يجب أن تمنع هذا الأمر.. كل الأموات الذين تدفنهم..
 لم يتسبب في موتهم سواك.. اذهب يا بني و أمنع هذا الأمر..
صرخ عبد الله.. ثار و جن جنونه.. انهمرت دموعه..
 تساقطت حبات العرق منه.. أقترب من حافة الجنون..
 أو ربما تخطاها بكثير..
حاول الحديث فلم يطعه لسانه.. أمسك بها و ظل يهزها بعنف
و هو يحاول النطق دون جدوى. أختلطت الدموع..
و توحدت أناتهما.. أحتضنته أمه للمرة الأولى..
- يجب أن تسرع بني.. عبد الله.. لا وقت لإضاعته..
 يجب أن تمنع الأمر.. أنت طيب يا بني..
و أبوك لم يكن سوى رجلا طيبا.. لا أريدك أن تتلوث بسببي..
أدري أنني أخطأت..
و أي خطأ يا أمي!! ، لو كنت خائنة..
راقصة.. عاهرة.. لو أنجبتيني من بذرة خطيئة..!!
عاد عبد الله يتيما وحيدا مرة أخرى عندما أشرقت شمس اليوم التالي ..
 و لو أنه لم يزل يشعر بلماستها و دموعها مازالت تبلل ملابسه
 لظن أن كل هذا وهما..
تذكر والده و هو يبكي عندما يتحدث عن أمه..
تذكر أول امرأة أحبها و كيف شعر بإقتلاع روحه عند موتها..
تذكر زوجاته الثلاث.. و كل النساء الذين دفنهن..
 لم يفكر في التراجع.. أو الإنتظار.. لم يكن للذهاب بديلا..
ركب القطار و ذهب للقاهرة قاصدا مدينة الملاهي..!
دخل باحثا عن شيء لا يعرف ما هو.. و عندما وصل لتلك اللعبة العملاقه.. !
.. كان شيئًا ما داخله يريد أن يكون هذا مجرد وهم..
 كم تمنى لحظتها أن يكون مجنونا!!
لكن صوت الإنفجار و إشتعال النيران جاء صادما ليخبره أن كل هذا حقيقي..
لقد قتل كل من بالملاهي!!
ازداد نحيبه فور تذكره أنه قاتل.. لكي يتخلص من لعنة أصابته..
 لكي يمنع نفسه من قتل النساء.. قتل الكثير و الكثير..!
فجأة ظهر أمامه شخصا.. لا ليس شخصا إنه حيوان..
لا بل وحش.. أجل إنه وحش بشع المظهر..
رجع خطوات للوراء الخوف يحركه.. ثم يقف رغما عنه..
و كأن قدمه ألتصقت بالأرض.
- من أنت.. ماذا تريد مني؟؟
- لا تقلق.. نحن أصدقاء.. جئت فقط كي أشكرك.. على إتمام المهمة بنجاح..
 أنا سفير الموتى.. جئتك أمس في هيئة والدتك..
 هل صدقت حقا بأن روحا أنجبتك؟؟ و بأنك سفير الموتى؟
 هل صدقت أن حظك العاثر سينتهي عند قتل كل هؤلاء..؟؟ كم أنت أحمق!!
- لقد تلاعبت بي.. جعلتني أقتل كل هؤلاء الأبرياء.. لماذا؟؟
- لا شأن لك بالسبب.. إنه شيء خاص بعالمنا.
- أيها الحقير.. سأقتلك!!
- هاهاهاها.. أفعل إن كنت تستطيع..
 أنا لم أجبرك على شئ.. أنت فعلت كل هذا من أجل نفسك..
 شهوتك و حبك للنساء هي ما حركتك.. هاهاهاها..
نادى أحدهم على عبد الله..
يجب أن يدفن عدد كبير من الأشخاص..
 ماتوا في حادث بمدينة الملاهي!!

تمت


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تابعنا على الفيس بوك

آخر التعليقات

أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *